--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
الحمد لله العلي القدير والصلاة على البشير النذير والسراج المنير
الرسول العربي الأمي محمد (ص) وعلى آله وأصحابه الميامين.
الشجاعة : إما أن تكون وراثية أو مكتسبة .
والوراثة : أما أن تكون من جهة الأب ، أو من جهة الأم وان العباس بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ورث الشجاعة من أبيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، ومن جهة الأم أخواله الذين اتصفوا بالشجاعة والكرم وكثير من الصفات العربية الممدوحة في ذلك الوقت ، وهذا لا جدال فيه ويمكن أن يقف القارئ الكريم أمام هذه الكلمات ويبحث في شجاعة العباس (ع) التي ورثها من أخواله الأبطال ، وقد ذكر المؤرخون إن علماء الوراثة أكدوا إن الصفات الوراثية كل شيء في الإنسان ، وكذلك علماء النفس ، وهي التي تقرر موقع الإنسان في كافة مجالات الحياة .
وهذا القول امتداد لقول الرسول محمد (ص) “إياكم وخضراء الدَمن” أي المرأة الحسناء في المنبت السيئ .
وقال (ص) “اختيروا الخال فان العرق دساس “ صدق رسول الله.
من هذا الموجز نصل إلى عظمة شخصية أبي الفضل العباس عليه السلام والشجاعة الفائقة التي قل نظيرها في عهده لأنه امتلكها من صفوة الوراثة الطيبة ، وهي القوة الإلهية التي امتلكها الإمام علي عليه السلام للحفاظ على بيضة الإسلام والمسلمين ، وثمرة التربية الخاصة في بيت النبوة ومعدن الرسالة ومهبط الوحي ، وان القاعدة القوية التي ارتكز عليها الإمام العباس (ع) كانت لها الأثر الفاعل في شخصيته ، وشجاعته التي أرهبت كل من ادعى القوة والشجاعة في ساحة الوغى عندما كان في عمر الورد مع أبيه واخوته في حروبهم التي جاهد معهم مع صغر سنه ، وخاصة في واقعة كربلاء سنة 60 هـ سنة 680 م والدليل على ذلك عدم ثبوت أربعة آلاف فارس أمام قمر بني هاشم عندما هاجم المشرعة بعد استئذان الإمام الحسين (ع) بالقتال باتفاق جمع غير قليل من الكتاب والمؤرخين وأهل السير.
يذكر أهل السير والتاريخ ان الإمام العباس كان جسيماً جميلاً شجاعاً اذا ركب المطهم رجلاه يخطان في الأرض خطا تهابه الفرسان عند القتال ، ولقد وهبه الله جسامة في الجثة وفراسة فائقة تفوق التصور وبريقاً في العينين وعظمة الهامة وقوة في الساقين وفخامة في الكتفين.
كما ضم إلى ذلك اللطافة في التنسيق الجميل.
وقال الصادق (عليه السلام ) : ( إن العباس بن علي عليهما السلام كفلقة قمر ، إذا ركب رجلاه يخطان في الأرض خطا ، وقد كان جميلاً كالقمر الزاهر ، وقد أكد جماله الإمام المهدي عليه السلام في زيارة الناحية :
( السلام على أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين ، المواسي أخاه بنفسه الآخذ لغده من أمسه ، الفادي له الوافي الساعي إليه بمائه المقطوعة يداه لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد وحكيم بن الطفيل الطائي ) .
قيل لعبد مناف : والد هاشم قمر البطحاء ، ولعبد الله : والد النبي (ص) قمر الحرم ، وللعباس بن أمير المؤمنين : قمر بني هاشم.
إن الإمام علي (عليه السلام ) : مرّ على كربلاء وقال : ( كأني بغرنوق من غرانيقي يدفن عند نهر الفرات من هذه الأرض ) .
والغرنوق لغة لطير جميل ذو رقبة بيضاء جميلة.
حقاً انه وصف جميل مبارك من سيد الوصيين علي بن ابي طالب لولده الإمام العباس (ع) وانه من سلالتين طيبتين ، وصفه الواصفون ونعته المؤرخون لأنه (ع) كان يتمتع بشخصية مهيبة ، لما جمع فيه من خلق وخلق وشجاعة.
ولهذه الصفات التي انفرد بها العباس (ع) أوصاه الإمام علي (ع) لعدة وصايا منها قال له:
( ولدي إذا ملكت المشرعة فلا تشرب وأخاك الحسين عطشان ) .
حقاً أنها وصية مباركة لها معاني في يوم كربلاء ، نفذ الإمام العباس (ع) هذه الوصية الخالدة عندما ملك المشرعة ، بعد أن فرق الجمع الحارس للمشرعة لمنع الحسين وعياله من الماء ، فلم يهب ذلك الجمع الذي ذكره المؤرخون أربعة آلاف فارس، غاص في أوساطهم ونزل بعد أن صاروا سماطين ، وغرف من الماء أراد أن يشرب تذكر عطش الحسين وعياله والوصية التي أوصاه بها سيد الوصيين علي (ع) ، نفض الماء من يده وملأ القربة بعد أن ارتجز قائلاً:
يا نفس من بعد الحسين هوني
وبعده لا كنتي أو تكوني
هذا الحسين وارد المنون
وتشربين باردا لمعين
والله ما هذا فعال ديني
ولا فعال إمام صادق اليقين